الاثنين، 29 يونيو 2009

الغناء الريفي والمطرب ناصر حكيم



كريم العبودي
ان اختلاف الغناء الريفي عن غناء المدينة والبادية بسبب تأثير البيئة على اهالي الريف من خلال اصوات حفيف الاشجار، وزقزقة العصافير، وخرير الانهار،



ورفيف النخيل فتكيفت اصوات وحناجر مطربيهم واصبحت اغانيهم جميلة تتقبلها وتطرب لها النفس، وكانت هناك عدة اطوار للغناء الريفي، والطور هو عبارة عن ابيات شعرية يقوم بالقائها الشاعر ثم يأتي من بعدها غناء موال المطرب والموال العراقي بدأ قبل أكثر من 1000 سنة واطوار الغناء هي 56 طوراًُ، والموال العراقي بدأ في العراق ايام حكم الدولة العباسية عندما قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بقتل البرامكة(يحيى البرمكي وابنه جعفر) وكانت جارية جعفر تحبه حباً جماً فبدأت برثاء جعفر وغنت هذا اللون الحزين والجديد في الغناء وكانت تختتم كل شطر بكلمة(ياموالي) اي بمعنى ياسيدي ثم سميت هذه الكلمة(الموال) اما الغناء الريفي فأنه اشتهر في جنوب العراق وهناك انواع من الشعر الشعبي ومن اشهرها شعر الابوذية والمعروف عن هذا الشعر انه نظم في قضاء سوق الشيوخ التابع الى مدينة الناصرية ويتميز شعر الابوذية بأنه شعر حزين ويصف الشوق والحنين والفراق وجاء اسمه منه(ابو الاذية)، وقدم الشعراء من هذا النوع في وصف مصائب اهل البيت(عليهم السلام)الكثير وان اغلب اهالي مدينة سوق الشيوخ يكتبون الابوذية وليس فقط شعراؤهم وعندما تحدث مصيبة الى احد من اهالي المدينة فتكون مواساتهم له ببيت من شعر الابوذية واشهر شعرائهم الحاج ياسين عبيد ال سعيد، ثامر الحمودة، محمد المهنا، هلال حسين، وغيرهم من الشعراء... وكان هناك ايضاً الشعر الشعبي المسمى بالدارمي انتشر ايضاً في مناطق جنوب العراق وكان يتناول عدة مواضيع منها الحب والعتاب وله عدة اسماء يسمى بالبستة والركباني، وكذلك يسمى بالموشحات الفراتية، وسمي بشعر الدارمي نسبة الى الدوارم وهي احدى افخاذ عشيرة تميم العربية المتواجدة في مدينة الناصرية في قضاء سوق الشيوخ وكذلك في محافظة ميسان.
وهناك اطوار اخرى مشهورة مثل طور المحمداوي، الحياوي، الحليوي، الشطراوي، المجراوي، الصبي وغيرها... المحمداوي: يعتبر من اصعب الاطوار الغنائية الريفية وسمي نسبة الى قبيلة البو محمد التابعة الى عشائر الزبيدات التي تسكن جنوب العراق، الحياوي: جاءت تسميته نسبة الى مدينة الحي التابعة الى محافظة واسط جنوب العراق ويغنى هذا الطور بشعر الابوذية وعلى مقام البيات، الحليوي: سمي بهذا الاسم نسبة الى عشائر الحليوي التي تسكن جنوب العراق، الشطراوي: وهو من الاطوار الشجية وكذلك يغنى بشعر الابوذية وعلى مقام الصبا واشتهر في مدينة الشطرة التابعة الى محافظة الناصرية وسمي بهذا الاسم نسبة الى مدينة الشطرة.
الناصرية التي انجبت اشهر المطربين الريفيين الذين كان لهم الفضل الكبير في انتشار الاغنية الريفية العراقية ومن ابرزهم المطرب داخل حسن، حضيري ابو عزيز، ناصر حكيم، جبار ونيسة، وبعدها جاء الجيل الثاني من المطربين الريفيين المعروفين المطرب حسين نعمة، ستار جبار ونيسة، فتاح حمدان الساحر، صباح السهل، وحكمت سبتي، ثم الجيل الثالث الذي قدم الاغنية الريفية المطرب علي جودة، احمد نعمة، رعد الناصري وغيرهم...
وها هو احد المطربين من الجيل الاول والذي كان له الاثر الكبير في الغناء الريفي العراقي الا وهو المطرب ناصر حكيم ولد الفنان ناصر حكيم عام 1910 في ناحية العكيكة بقضاء سوق الشيوخ التابع الى محافظة الناصرية المدينة الغنية في ارثها الثقافي والفني والادبي والحضاري وتاريخها الغني الزاخر بدأت موهبته وحبه وشغفه للغناء منذ الطفولة وفي احدى الامسيات الفنية التي اقيمت في مدينة الناصرية غنى ذلك الفتى وابهر الجمهور بصوته وغنائه العذب الجميل وكان من حسن الصدف ان كان احد الحاضرين يعمل في احدى الشركات التي تقوم بالتسجيل الصوتي للغناء فاعجب بغنائه وصوته فاتفق معه على تسجيل اغانيه في استوديوهات الشركة الموجودة في محافظة البصرة لقاء اجر يقدم له مقابل اغانيه وبعد ان لمع اسمه في الغناء الريفي قام بتسجيل اغاني جديدة لدى شركة (بيضافون)ومقرها الرئيسي حينذاك في العاصمة العراقية بغداد وكان معه زميله الفنان حضيري ابو عزيز ثم سافر الى لبنان بعد ان اتصلت شركة محطة الشرق الاوسط بمجموعة من الفنانين العراقيين لغرض تسجيل اغانيهم ومن ضمنهم الفنان ناظم الغزالي وداخل حسن ووحيدة خليل وغيرهم ثم انتقل من مدينة الفن والموسيقى (الناصرية) الى العاصمة بغداد عام1926 للعمل في عالم الموسيقى والغناء ودخل الى مبنى الاذاعة كمطرب ريفي ولمع اسمه بين الفنانين وتميز بطبقات صوته العالية وصوته العذب وادائه الفطري الجميل وبدأت الامسيات والحفلات الفنية في بغداد واشتهرت اغانيه ولمع اسمه في الغناء الريفي وافتتح له مقهى في جانب الكرخ في بغداد واصبحت هذه المقهى مدرسة للغناء الريفي العراقي الاصيل.
وكان من رواد هذه المقهى اشهر المطربيين الريفيين هم داخل حسن ، حضيري ابو عزيز وهما من اصدقائه المقربين ومن ابناء مدينته الناصرية وكذلك الفنان مسعود العمارتلي وعبد الامير الطويرجاوي وغيرهم من الفنانين وكانت كلمات اغانيه جميلة ونابعة من صميم الجنوب العراقي الحزين والبيئة الريفية وسحرها وتحمل هموم الانسان والمجتمع العراقي لقد كان الفنان ناصر حكيم شاعرا وملحناً بنفس الوقت لاغلب اغانيه واعتبرمن الرعيل الاول في اذاعة بغداد عندما كان البث المباشر يقدم على الهواء مباشرة للمستمعين ومن اشهر اغانيه التي يؤديها المطربون الريفيون حاليا هي فرد عود على الله ويازماني نخل السماوة مالي شغل بالسوك بهية وغيرها وفي عام 1991 توفي المطرب ناصر حكيم وفقدت الاغنية الريفية العراقية اشهر والمع مطربيها بعد ان ترك خزينا هائلا من الاغاني الريفية العراقية.